الاعتراف بدولة فلسطين ..

أثار قرار عدد من الدول الغربية الاعتراف بدولة فلسطينية موجة واسعة من ردود الفعل المتباينة، سواء على المستوى السياسي أو الشعبي.

ففي الوقت الذي اعتبره مسؤولون فلسطينيون خطوة مهمة على الصعيدين القانوني والسياسي ينبغي استثمارها بخطة واضحة، وصفه محللون إسرائيليون بأنه تحرك “خاطئ” يهدد أمن إسرائيل ويعزز التطرف.

وبين الموقفين الرسميين، أعرب معظم الإسرائيليين عن غضبهم حيال الاعتراف بالدولة الفلسطينية ورأوا أنها “تكافئ حركة حماس” بل ويطالب بعضهم بوقف الحرب أولاً لتحرير الرهائن، بينما يذهب آخرون إلى مواقف أكثر تشدداً ترفض أي تسوية مع الفلسطينيين.

ويرى ديكر أن ما جرى في الأمم المتحدة “قد يعرّض حياة الرهائن للخطر ويشجع الجماعات المتطرفة في الغرب، خصوصاً في بريطانيا”، مضيفاً أن إسرائيل أمامها عدة خيارات للرد، من بينها فرض قوانينها على غور الأردن وتلال الضفة الغربية المطلة على مطار بن غوريون، باعتبار ذلك ضرورة لحماية سكان إسرائيل.

ويشير ديكر إلى أن إقامة دولة فلسطينية ثانية بعد “دولة غزة”، كما وصفها، من شأنها أن تشكل تهديداً مباشراً لأمن إسرائيل، إذ يمكن من خلالها استهداف الطائرات القادمة إلى مطار بن غوريون بصواريخ باليستية أو أسلحة متطورة.

لذلك، يدعو إسرائيل إلى الاستمرار في إبقاء السيطرة على غور الأردن وتطبيق السيادة على مناطق الضفة الغربية كإجراء مضاد لخطوات بريطانيا وكندا، وأستراليا، وبلجيكا، والبرتغال وفرنسا والدول الأخرى.

كما يؤكد أن إسرائيل تملك خيارات دبلوماسية، من قبيل استدعاء السفراء من الدول التي أيدت القرار، أو حتى إغلاق القنصلية الفرنسية في القدس.

ولكنه يشدد على أن الهدف الأول لإسرائيل يبقى “حماية بقائها في ظل التهديدات المتعددة التي تواجهها على جبهات عدة”.

“التطبيع سيظل مؤجلاً”

ويضيف ديكر أن التطبيع مع السعودية ودول الخليج سيظل مؤجلاً حتى تضمن إسرائيل أمنها وبقاءها، رغم تقديرها الكبير لولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورؤيته، معتبراً أن الأمن القومي يسبق أي خطوات سياسية أو اقتصادية.

وفيما يتعلق بالوضع في الضفة الغربية، يرى ديكر أن السلطة الفلسطينية فشلت في السيطرة على مناطق “أ” و”ب” التي يقطنها غالبية الفلسطينيين، وخسرت أمام ما سمّاه “بالميليشيات المدعومة من إيران”.

ويقول إن إسرائيل تتحرك لتفكيك هذه المجموعات المسلحة وضمان أمن الفلسطينيين والإسرائيليين معاً، زاعماً أن الكثير من سكان الضفة باتوا يرغبون في مستقبل أكثر استقراراً، بل إن بعضهم يفضل الحصول على المواطنة الإسرائيلية.

ويخلص ديكر إلى أن الخطأ الأكبر الذي ارتكبته الدول الغربية هو “تجاهل أصوات الفلسطينيين أنفسهم، الذين يطالبون بقيادة جديدة بعيدة عن الفساد وتتمكن من احترام حقوقهم وتأمين مناطقهم”.

ويعتبر أن الحل يكمن في “الاستماع إلى صوت الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، لا إلى حسابات سياسية غربية”، مؤكداً أن ذلك وحده قد يعكس فهماً أعمق لمعنى الديمقراطية في المنطقة.

“ضرورة تحويل الاعتراف إلى حقائق سياسية”

يقول فضل طهبوب، عضو المجلس الوطني الفلسطيني في مدينة القدس، لبي بي سي، إن الاعترافات الدولية بدولة فلسطينية تسجل موقفاً قانونياً مهماً؛ فهي تؤكد الحق الفلسطيني في إقامة دولة، بغض النظر عن إمكانية تحقيق هذا الأمر عملياً في الوقت الحالي.

ويضيف طهبوب، لا بد من تحويل هذا الاعتراف الرسمي إلى حقائق ميدانية وسياسية قابلة للتنفيذ، لا أن تظل مجرد تصريحات شكلية بلا أثر.

في تصريحه أوضح طهبوب أن الواقع على الأرض لا يخدم إقامة الدولة فوراً، لأن إسرائيل قد استولت على مساحات واسعة من الأرض وقطّعت النسيج الجغرافي والسياسي للضفة والقدس، وتسيطر فعلياً على المناطق المحتلة.

ويرى طهبوب أن خطوة الاعتراف يجب أن تترافق مع استراتيجية فلسطينية واضحة تتضمن إعلان دولة بحدود عام 1967 – دولة تحت الاحتلال – ومن ثم الانطلاق في حملة قانونية ودبلوماسية واسعة لمطالبة المجتمع الدولي والعربي بكل الوسائل بإنهاء هذا الاحتلال وتطبيق استقلال الدولة.

ويشير طهبوب إلى صعوبة تطبيق قرارات المجتمع الدولي بصورة فورية على الأرض، معتبراً أن إسرائيل لا تلتزم بسلوكيات المجتمع الدولي بالسهولة نفسها، وبالتالي لا يكفي مجرد اعتراف دولي إذا لم يتبع بخطوات عملية تخلق واقعاً جديداً.

ويؤكد أنه يجب خلق “حقائق جديدة” سياسية وقانونية: اعتراف دولي رسمي بدولة فلسطينية مع حدود معترَف بها دولياً، وجعل هذا الاعتراف مرتبطاً بمطالب واضحة لإزالة الاحتلال وفقاً للقانون الدولي، على حد تعبيره.

ومن أهم المطالب التي يطرحها طهبوب: توحيد الصف الفلسطيني وصياغة استراتيجية وطنية موحدة تُعرض على العالم لتُظهر موقفاً فلسطينياً متماسكاً، إضافة إلى تعبئة الجهود الدبلوماسية العربية والدوليّة، ومواصلة النضال القانوني والسياسي للحصول على استحقاقات هذا الاعتراف.

كما يحذّر من أن تبقى الاعترافات مجرد شعارات هزيلة إن لم تُترجم إلى إجراءات ملموسة تنفّذها المنظمات الدولية والدول المعترفة.

وختم طهبوب بأن الطريق نحو تحقيق دولة فلسطينية معترَف بها دولياً “لن يكون فورياً”؛ فهو يتطلب وقتاً طويلاً وجهوداً داخلية وخارجية مكثفة، وتنسيقاً فلسطينياً داخلياً يضمن ظهور موقف واضح وقوي أمام المجتمع الدولي، وفي غيابه، يظل الاعتراف بلا قيمة عملية حقيقية.

  • Related Posts

    سوريا.. عشائر الجنوب تعلق على بيان الرئيس أحمد الشرع

    البيان الذي أصدره الرئيس السوري المؤقت، أحمد الشرع حيال الأوضاع في السويداء والقتال الدائر بين الدروز وعشائر وقبائل بدوية. ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية البيان الصادر عن العشائر والذي ورد فيه: “أكدت عشائر…

    باكستان ترشح ترامب لجائزة نوبل للسلام

    قالت باكستان السبت، إنها ستزكي الرئيس الأميركي دونالد ترامب للحصول على جائزة نوبل للسلام التي قال إنه يتوق إليها، وذلك بسبب مساعدته في إنهاء أحدث صراع بين الهند وباكستان. وقالت…

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *